0

من المدونة

«فكتور هوغو والإسلام» للويس بلان: قراءة تمنح الإسلام مكانته المستحقة في الأدب العالمي

صدر حديثًا عن المنظمة العربية للترجمة كتاب لافت للباحث الفرنسي لويس بلان بعنوان “فكتور هوغو والإسلام”، نقلته إلى العربية الدكتورة زهيدة درويش جبور وقدّمت له دراسة وافية تضعه في سياقه العلمي. يأتي هذا الكتاب ليعيد فتح سؤال علاقة الأدب الفرنسي بالإسلام من بوابة أحد أبرز أعلام القرن التاسع عشر، وهو فكتور هوغو، الذي شكّل حقلًا واسعًا للتأويل والتمثّل. فالكتاب لا يقدّم قراءة استشراقية تقليدية، ولكنه في الوقت نفسه لا ينطلق من فرضيّة دفاعية أو تصادمية؛ إنما يحاول تفكيك صورة الإسلام لدى هوغو من خلال نصوصه الشعرية والروائية ورسائله ومواقفه الفكرية.

هوغو بين الرؤية الإنسانية والتمثّل الثقافي

ينبغي التذكير بأنّ القرن التاسع عشر مثّل مرحلة مفصلية في إعادة تشكيل صورة الشرق في الذهنية الأوروبية؛ إذ كان الخطاب الأدبي يتأرجح بين الإعجاب الرومانسي والحكم الاستعلائي الذي غذّته النزعة الاستعمارية. غير أن هوغو لم يقع بالكامل في أيّ من النموذجين، بل قدّم صورة متداخلة للإسلام، فيها من الانفتاح بقدر ما فيها من التمثّلات المسبقة. فالكاتب لم يكن متخصصاً في دراسة الديانات أو الحضارات الشرقية، لكنه كان شديد الاهتمام بالإنسان بوصفه كائناً كونياً، يتجاوز الانتماءات الضيقة. وهذا الهمّ الإنساني العام يظهر في تعاطيه مع قضايا العدالة والحرية، وهو ما سمح له بأن يتعامل مع الإسلام باعتباره ظاهرة تاريخية وحضارية تستحق النظر، ولو من موقع ثقافي بعيد.

النصوص كمجال لاستنطاق الموقف

يستند المؤلف إلى مادة نصيّة متنوعة: من الشعر إلى المسرح إلى الخطابة السياسية. ومن خلال هذا التنوّع، تتشكّل صورة مركّبة لا يمكن اختزالُها في حكم واحد. ففي بعض كتاباته تظهر نبرة انبهار بالعمران الإسلامي والمخيال الروحي للشرق، وفي مواضع أخرى نجد أثراً لصورة نمطية مرتبطة بتاريخ الصراع الديني. إحدى النقاط اللافتة التي يعرضها الكتاب هي حضور النبي محمد في خطاب هوغو بوصفه شخصية تاريخية ذات أثر روحي وسياسي، لا كموضوع لجدل لاهوتي.

ومن أبرز ما يكشفه الكتاب أنّ صورة الإسلام لدى هوغو ليست معزولة عن سجالات أوروبا مع ذاتها؛ فهو لم يكن يكتب عن الإسلام بقدر ما كان يكتب عبر الإسلام عن قضاياه الداخلية: الحرية، السلطة، العدالة، الإنسان. وهنا تتجلّى أهمية القراءة النقدية التي يقدّمها المؤلف، إذ يستخرج من كتابات هوغو أبعاداً حضارية تتجاوز النظرة الأحادية التي سادت في عصره. ويُظهر الكتاب أنّ هوغو اتّخذ أحياناً موقفاً أكثر تعاطفاً مع المسلمين من بعض معاصريه، ليس بالمعنى الديني، بل بالمعنى الإنساني المتعلق بمناهضة الظلم السياسي والاستبداد. وهذا ما يجعل صورته بعيدة عن التعميمات المتداولة حول الأدباء الغربيين في تلك المرحلة.

كما يكشف الكاتب، عبر تحليل النصوص، أنّ الشرق الذي عرفه هوغو كان في معظمه شرقًا متخيَّلًا أكثر منه واقعاً معاشاً. فالمعلومات المباشرة عن الإسلام كانت محدودة، أمّا التصوّرات فقد تشكّلت عبر وسائط ثقافية وأدبية واستشراقية. ومع ذلك، لا يمكن وصف رؤيته بالعدائية أو الإقصائية، بل هي رؤية ملتبسة تجمع بين الجاذبية والبعد، بين الانفتاح والحذر، بين الفضول والتمثّل المسبق. ويشير الكتاب إلى أنّ هذا الالتباس ليس سمة شخصية فقط، بل يعكس بُنية أوسع للثقافة الأوروبية في القرن التاسع عشر، حيث كانت المعرفة بالآخر تمرّ عبر الاستعارة والتأويل والخيال الأدبي أكثر مما تمرّ عبر المعايشة المباشرة أو الدراسة المتخصصة.

قيمة هذا العمل في سياق اليوم

تكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يعيد قراءة الأدب الغربي من موقع لا يتبنّى لغة الاتهام ولا منطق التبرئة، بل يسعى إلى فهم الآليات العميقة لتشكّل صورة الإسلام في الذهن الأوروبي. إن إعادة تفكيك هذه الصورة عبر هوغو تحديداً تُعد خطوة مهمّة لأنها تتناول أحد أكثر الأسماء تاثيراً في المتخيّل الفرنسي. وإذا كانت بعض القراءات الاستشراقية قد تعمّدت تكريس رؤية اختزالية، فإنّ هذا العمل يعرض نموذجاً مغايراً يقوم على الكشف لا على الإدانة، وعلى الحوار النصّي لا على التلقّي السلبي. فهو يدفع القارئ العربي إلى أن ينظر إلى التراث الغربي بعين الفاحص لا المستجيب أو الرافض سلفاً.

الأدب كجسر محتمل

يسلّط الكتاب الضوء على قدرة الأدب على بناء صلة تتجاوز ما تفرضه السياسة أو الدين من حدود. فحين يتحدّث هوغو عن عظمة الشرق، أو عن الروحانية الإسلامية، فإنه يفعل ذلك بأدوات الخيال الشعري لا بلغة العقيدة أو الصراع. وهذا ما يسمح اليوم باستعادة تلك النصوص في سياق يُعيد فتح سؤال التمثيل لا بوصفه أزمة بل بوصفه فرصة. كما يشير الكتاب إلى أنّ هوغو، الذي كان يؤمن بالحرية كقيمة مطلقة، لم يُقصِ الإسلام من عالمه الرمزي، بل استحضره بوصفه أحد المكوّنات الروحية للبشرية، حتى وإن ظلّ أسيراً لمحدودية معارف عصره. وهذا ما يمنح القراءة الحديثة لنصوصه بعداً يتجاوز الأحكام المسبقة.

إن قيمة هذا العمل لا تنحصر في كونه قراءة في موقف فكتور هوغو من الإسلام، بل في أنه يسهم في مساءلة أوسع للخيال الأدبي الأوروبي، ويتيح التفكير في إمكان بناء خطاب ثقافي جديد لا يقوم على التناقض بل على التفاعل. إنه يمثّل مناسبة للتفكير في الأدب لا بوصفه مرآة لصراع الحضارات، بل بوصفه أحد السبل الممكنة للتعرّف على الآخر وبناء معرفة أكثر توازناً وإنصافاً.

ملخص

في كلمته، أكّد الدكتور جان جبّور على أهمية هذا العمل في إعادة فتح ملفّ العلاقة بين الأدب الفرنسي والإسلام من منظور جديد بعيد عن الأحكام الجاهزة والصور النمطية. أشار إلى أنّ الكتاب لا يقدّم قراءة استشراقية تقليدية ،بل يسعى إلى تفكيك صورة الإسلام في نصوص هوغو من منظور إنساني وحضاري.وأوضح أنّ هوغو، رغم محدودية معرفته بالإسلام، قدّم رؤية إنسانية تتجاوز الانتماءات الدينية، حيث تعامل مع الإسلام كظاهرة حضارية تستحق التأمل، لا كموضوع صراع. كما أبرز أنّ الكاتب لم يتحدث عن الإسلام بمعزل عن قضايا أوروبا الداخلية، بل جعله مرآة للتفكير في قيم الحرية والعدالة. وختم جبّور بالتأكيد على أنّ الأدب، كما يظهر في هذا الكتاب، يظل جسراً ممكناً للحوار بين الثقافات، وأنّ قراءة هوغو اليوم تتيح فرصة لتصحيح الصور المتبادلة وتعزيز الفهم المتبادل بين الشرق والغرب.

المصدر: انقر للوصول الى المصدر